الشروط الستة للتعلم Terms of learning
أخي لن تنال العلم إلا بستة سأنبيك عن تفصيلها ببيان
ذكاء وحرص واجتهاد وبلغة وصحبة أستاذ وطول زمان
كلمات لا تزال - كلما تذكرتها - ترن في أذني بصوت شيخنا الشيخ بشير الحداد رحمه الله وقد كنت سمعتها من غيره من قبل لكن لا أتذكر غير نغمة الشيخ بشير، كلمات لخصت خارطة الطريق إلى بلوغ قمة الشرف التي طالما طمح لها الكثير وما فاز بها إلا القليل، فهل لديك من وقتك الثمين ما تسمح بصرفه في قراءة شرح مختصر لهذه الكلمات؟؟
1-ذكاء: وهو شرط غالب أي إن أكثر النوابغ في العلم كانوا يتمتعون بقدرة عالية على معالجة مسائل العلم فمن قدرة حافظة الى قدرة تحليل واستنباط الى قدرة تركيب وخلق، لكن التاريخ يحفظ لنا نوادر ممن نبغوا في العلم بعد أن سلكوا طريقا شاقا منطلقين من نسبة ضئيلة من الذكاء، فيذكر على سبيل المثال قول أبي حنيفة لتلميذه زفر: كنت بليدا فأخرجتك المواظبة، وقصة ابن حجر الذي طلب العلم ثلاثين سنة فتركه يائسا، حتى مر بصخرة عند بئر وقد أثر حبل الدلو فيها حتى حز فيها شقا عميقا، فتمثل قائلا:
فلتطلب العلم ولا تضجرا فآفة العلم بأن تضجرا
أما ترى الحبل بتكراره في الصخرة الصماء قد أثرا
وفي مثل هذه القصص عزاء وأمل لمن يجدون أنفسهم غير أذكياء أنه يمكنهم بلوغ شرف العلم بقليل من الذكاء الفطري
وقد أثبتت دراسات الدماغ الحديثة هذه النظرية، لكن يحتاج هؤلاء إلى جرعة زائدة من الشرط الثاني (الحرص).
2-حرص: سؤال: لماذا لا تطلب العلم؟ الجواب: مشغول. الترجمة الحقيقة لهذا الجواب أني مشغول بشيء هو أهم من العلم، لأنه لو عوتب طالب العلم وقيل له: لماذا لا تتواصل مع الناس في المناسبات الاجتماعية؟ لماذا لا تعمل في التجارة؟ لماذا لا ... ؟ لكان الجواب نفسه: مشغول، ويعني أن طلب العلم عنده أهم . وقد بلغ من حرص العلماء على العلم مدى بعيدا يقص علينا منه العجائب وأحيلك في بعض هذه القصص إلى كتاب (صفحات من صبر العلماء على شدائد العلم والتحصيل) للشيخ عبد الفتاح أبي غدة رحمه الله [هذا ثاني عالم سوري يذكر هنا ادعوا لهم بالفرج العاجل] . الحريص على العلم رأس ماله الوقت وهو أغلى عنده من الذهب، ويروى ان أحد هؤلاء تعرض له احد البطالين فقال قف قليلا أكلمك. فقال: إن استطعت أن توقف لي الشمس وقفت لك كي لا يضيع شيء من وقتي. والحريص يصبر على طول السفر وقسوة المعلم ومفارقة الشهوات وصرف المال ويضحي بالكثير من أجل بلوغ قمة الشرف (العلم).
3-اجتهاد: وهو بذل كل ما عندك من قدرات في الأمر الذي تريده، لذا حرص العلماء على التضحية بالوقت والمال والراحة والعلاقات الاجتماعية ونحو ذلك في طلب العلم، وفي كتاب الشيخ أبي غدة الذي ذكرناه آنفا من اجتهاد العلماء العجب، وهذا الشرط نابع من الشرط السابق لكن السابق لا يغني عنه، فكم من حريص يتقطع حسرة على سلوك سبيل العلم لكن لا يسير فيه انسياقا وراء الضغوط الاجتماعية أو النفسية فلا يصل إلى ما يتحسر عليه، فالحرص بلا عمل إرهاق نفسي وخسارة فرص، والزهد في العلم لمثل هذا يكسبه الراحة النفسية وان كان يخسر فرصة العمر.
4-بلغة: يقصدون بها بلغة من المال تعين على حاجات المعيشة أثناء التفرغ لطلب العلم، وقد كان معظم العلماء لتفرغهم يستعينون على طلب العلم بما يوقف على هذا الشأن من أغنياء المسلمين وتكاد ان تكون معظم الأوقاف على طلب العلم الشرعي والمساجد، والوقف من مفاخر تاريخ امتنا أهمله المسلمون اليوم ويحتاج إلى توعية وتثقيف لأهميته ودوره في نهضة الأمة، وفي عصرنا استجدت حاجات أخرى تحتاج إلى وقفيات تخصص لها لإنشاء مشاريع نهضة وديمومتها ونشاطها، على أن بعض العلماء كان يجمع بين طلب العلم والتجارة مثل الإمام أبي حنيفة والإمام عبد الله بن المبارك وكان هؤلاء ينفقون على طلبتهم بسخاء رحمهم الله تعالى.
5-صحبة أستاذ: جرت سنة الله أن لا بد للعلم من معلم وتلميذ وفي حديث جبريل الذي يرويه البخاري ومسلم يمثل جبريل عليه السلام دور التلميذ والنبي صلى الله عليه وسلم دور المعلم، وفي الحديث وصف الجلسة والحوار فيقول: (فأسند ركبتيه إلى ركبتيه ووضع يديه على فخذيه وقال: يا محمد أخبرني عن الإسلام ...) الحديث. وقالوا قديما : لا تأخذ القرآن عن مصحفي ولا العلم عن صحفي. يقصدون من تعلم العلم من غير أستاذ لأن القراءة للمبتدئ من غير معلم تجعله يقرا خطأ ويفهم خطأ فلا يؤمن علمه عن خلط وتلبيس، وقد اهتم علماونا رحمهم الله ببسط آداب المعلم والمتعلم، وأحيلك إلى كتاب الفقيه والمتفقه لابن عبد البر، وكتاب إحياء علوم الدين – الجزء الأول، ومن أروع ما ألف في فن التعلم عامة كتاب (تعليم المتعلم طريق التعلم) للعلامة الزرنوجي رحمه الله.
6-طول زمان: اعتاد طلبتنا الاكتفاء بالدورات السريعة، وهي نافعة لا شك لكنها لا تخرج علماء متخصصين فلا بد من الصبر على طول السنين مع المواظبة واغتنام الوقت والأخذ بجميع أسباب العلم. ومن تجارب تاريخنا في هذا الأمر أن الخليفة عمر ين الخطاب رضي الله عنه درس سورة البقرة ثماني سنين، وما يروى أن الشافعي تعلم العربية عشرين سنة صحب فيها فصحاء أهل البادية، ومثله نقل عن الأصمعي رحمه الله، وبقي الإمام النووي سنتين لا يضع جنبه على الأرض لا ينام إلا سهوا، وكنت سمعت من مشايخي في الطفولة مقولة: إذا أعطيت العلم كلك أعطاك نصفه. وكنت ساخطا على هذه المقولة لأني كنت أطمح أن أنال العلم كله واليوم أتمنى لو أني حصلت من العلم واحدا في المائة، وهيهات .
ومن تجربتي الخاصة في طلب العلم أزيدك قواعد أخرى
:
:
أ-لا تستنكف أن تبدأ بمبادئ العلم بإتقان واهتمام مهما بلغت شهادتك الرسمية، لأنك في الطفولة كنت لا تعرف قيمة العلم، فأعد قراءة ما يتعلق بتخصصك من مرحلة الابتدائية والمتوسطة والإعدادية ستكتشف أنك تقرأها اليوم بعقل جديد غير العقل الذي قرأتها من قبل.
ب-التكرار مبدأ أساسي في التعلم، كانت طريقة مشايخنا أن يقرأ الطالب الدرس ثلاث مرات قبل أن يحضر المحاضرةـ ويقرأه خمس مرات بعد المحاضرة، وقراءة الدرس قبل المحاضرة ولو بدون فهم ولو مرة واحدة شرط للاستفادة الحقيقة من المحاضرة، وهذا يهمله معظم الطلبة مع أنه شرط لا بد منه. ويمكن الاستفادة من البحوث الحديثة في التكرار الفعال واحيلك الى سلسلة كتب بوزان في القراءة الفعالة وخرائط العقل.
جـ-التدريس من وسائل تثبيت العلم ونموه، ويفتح الله للمدرس من أبواب العلم ما لم يجده أثناء التعلم. وبتواضع أنصح الأطباء أن يمارسوا تدريس الطب ولا يكتفوا بمجرد ممارسة المهنة، وكذا أقول للمهندسين وسائر أصحاب التخصص.
د-الاستعانة بالله بعد الأخذ بالأسباب وتصحيح النية في طلب العلم يجعلك من النوابغ الذين يتركون بصمة تنفع البشرية ولك أجرها إلى يوم القيامة. ومما ضيع العلم اليوم أنه لا يعدو أن يكون وسيلة مسخرة لجمع المال، حتى وجدنا من يشتري الشهادات العليا ليربح من امتيازاتها وهذا غش للمجتمع وتحطيم لمستقبل أولادنا وأحفادنا عسى الله يعيننا على قبر هذه الجرثومة بسياسة ولاة صالحين ودعوة دعاة مخلصين.
تعليقات
إرسال تعليق