التخطي إلى المحتوى الرئيسي

كتاب تعليم المتعلم طريق التعلم 4


كتاب تعليم المتعلم طريق التعلم 4

مؤلفه برهان الإسلام الزرنوجي الفقيه الحنفي . اشتهر كتابه ولم يشتهر هو رحمه الله، والمعلومات عنه قليلة جدا.
آثرنا نشر كتابه في بدء هذه المدونة على حلقات استفادة وتبركا
قال رحمه الله:



فصل
فى بداية السبق وقدره وترتيبه

          كان أستاذنا شيخ الإسلام برهان الدين رحمه الله يوقف بداية السبق على يوم الأربعاء، وكان يروى فى ذلك حديثا ويستدل به ويقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من شيئ بدئ  يوم الأربعاء إلا وقد تم؛ وهكذا كان يفعل أبى.
          وكان يروى هذا الحديث عن أستاذه الشيخ الإمام الأجل قوام الدين أحمد بن عبد الرشيد رحمه الله.
          وسمعت ممن أثق به، أن الشيخ يوسف الهمذانى رحمه الله، كان يوقف كل عمل من الخير على يوم الأربعاء. وهذا لأن يوم الأربعاء يوم خلق فيه النور، وهو يوم نحس فى حق الكفار فيكون مباركا للمؤمنين.
          وأما قدر السبق فى الإبتداء: كان أبو حنيفة رحمه الله يحكى عن الشيخ القاضى الإمام عمر بن أبى بكر الزرنجرى رحمه الله أنه قال: قال مشايخنا رحمهم الله: ينبغى أن يكون قدر السبق للمبتدئ  قدر ما يمكن ضبطه بالإعادة مرتين بالرفق ويزيد كل يوم كلمة حتى أنه وإن طال وكثر يمكن ضبطه بالإعادة مرتين، ويزيد بالرفق والتدريج، وأما إذا طال السبق فى الإبتداء واحتاج إلى الإعادة عشر مرات فهو فى الإنتهاء أيضا يكون كذلك، لأنه يعتاد ذلك، ولا يترك تلك الإعادة إلا بجهد كثير وقد قيل: السبق حرف، والتكرار ألف.
          وينبغى أن يبتدئ بشيئ يكون أقرب إلى فهمه، وكان الشيخ الإمام الأستاذ شرف الدين العقيلى رحمه الله يقول: الصواب عندى فى هذا ما فعله مشايخنا رحمهم الله، فإنهم كانوا يختارون للمبتدئ صغارات المبسوط لأنه أقرب إلى الفهم والضبط، وأبعد من الملالة، وأكثر وقوعا بين الناس.
          وينبغى أن يعلق السبق بعد الضبط والإعادة كثيرا، فإنه نافع جدا.
          ولا يكتب المتعلم شيئا لا يفهمه، فإنه يورث كلالة الطبع ويذهب الفطنة ويضيع أوقاته.
          وينبغى أن يجتهد فى الفهم عن الأستاذ بالتأمل وبالتفكر وكثرة التكرار، فإنه إذا قل السبق وكثرة التكرار والتأمل يدرك ويفهم.
          قيل: حفظ حرفين، خير من سماع وقرين، وفهم حرفين خير من حفظ سطرين.
          وإذا تهاون فى الفهم ولم يجتهد مرة أو مرتين يعتاد ذلك فلا يفهم الكلام اليسير، فينبغى أن لا يتهاون فى الفهم بل يجتهد ويدعو الله ويتضرع إليه فإنه يجيب من دعاه، ولا يخيب من رجاه.
          وأنشدنا الشيخ الأجل قوام الدين حماد بن إبراهيم بن إسماعيل الصفار الأنصارى إملاء للقاضى الخليل بن أحمد الشجرى فى ذلك شعرا:
أخدم العلم خدمـــــــة المستفيد   وأدم درسه بفعل حـــــــميد
وإذا مـــــــا حفظت شيئا أعده   ثم أكده غاية التأكــــــــــــيد
كى لا يزول ثم علقه كى تعود   إليه وإلى درسه على التأبيد
فإذا ما أمنت مــــــــــــنه فواتا   فانتدب بعده لشيئ جــــــديد
مع تكرار ما تقدم مــــــــــــنه   واقتناء لشأن هـــــذا المـزيد
ذاكــــــــر الناس بالعلوم لتحيا   لا تكن من أولى النهى ببعيد
إذا كتمت العلوم أنسيت حــتى   لا ترى غير جـــــاهل وبليد
ثم ألجمت فـــــــى القيامة نارا   وتلهبت بالعـــــــذاب الشديد
          ولا بد لطالب العلم من المذاكرة، والمناظرة، والمطارحة، فينبغى أن يكون كل منها بالإنصاف والتأنى والتأمل، ويتحرز عن الشغب [والغضب]، فإن المناظرة والمذاكرة مشاورة، والمشاورة إنما تكون لاستخراج الصواب وذلك إنما يحصل بالتأمل والتأنى والإنصاف، ولا يحصل بالغضب والشغب.
          فإن كانت نيته من المباحثة إلزام الخصم وقهره، فلا تحل، وإنما يحل ذلك لإظهار الحق.
          والتمويه والحيلة لا يجوز فيها، إلا إذا كان الخصم متعنتا، لا طالبا للحق.
          وكان محمد بن يحيى إذا توجه عليه الإشكال ولم يحضره الجواب يقول: ما ألزمته لازم، وأنا فيه ناظر، وفوق كل ذى علم عليم.
          وفائدة المطارحة والمناظرة أقوى من فائدة مجرد التكرار لأن فيه تكرارا وزيادة.
          وقيل: مطارحة ساعة، خير من تكرار شهر.
          لكن إذا كان [مع] منصف سليم الطبيعة.
          وإياك والمذاكرة مع متعنت غير مستقيم الطبع، فإن الطبيعة متسرية، والأخلاق متعدية، والمجاورة مؤثرة.
          وفى الشعر الذى ذكره الخليل بن أحمد فوائد كثيرة، قيل:
العلم من شرطه لمن خـــــدمه        أن يجعل الناس كلهم خـــدمه
          وينبغى لطالب العلم أن يكون متأملا فى جميع الأوقات فى دقائق العلوم ويعتاد ذلك، فإنما يدرك الدقائق بالتأمل، فلهذا قيل: تأمل تدرك.
          ولا بد من التأمل قبل الكلام حتى يكون صوابا، فإن الكلام كالسهم، فلا بد من تقويمه قبل الكلام حتى يكون مصيبا.
          وقال فى أصول الفقه: هذا أصل كبير وهوأن يكون كلام الفقيه المناظر بالتأمل.
          قيل: رأس العقل أن يكون الكلام بالتثبت والتأمل.
          قال قائل شعرا:
          أوصيك فى نظم الكلام بخمسة
                                        إن كنت للموصى الشفيق مطيعا
          لا تغفلن سبب الكـــــلام ووقته
                                        والكيف والكــــم والمكان جميعا
          ويكون مستفيدا فى جميع الأوقات والأحوال من جميع الأشخاص قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها اخذها.
          وقيل: خذ ما صفا، ودع ما كدر.
          وسمعت الشيخ الإمام الأجل الأستاذ فخر الدين الكاشانى يقول: كانت جارية أبى يوسف أمانة عند محمد [ بن الحسن] فقال لها: هل تحفظين أنت فى هذا الوقت عن أبى يوسف فى الفقه شيئا؟ فقالت: لا، إلا أنه كان يكرر ويقول: سهم الدور ساقط، فحفظ ذلك منها، وكانت تلك المسألة مشكلة على محمد فارتفع أشكاله بهذه الكلمة. فعلم أن الإستفادة ممكنة من كل أحد.
          ولهذا قال ابو يوسف حين قيل: بم أدركت العلم؟ قال: ما استنكفت من الإستفادة من كل أحد وما بخلت من الإفادة.
          وقيل لابن عباس رحمه الله: بم أدركت العلم؟
          قال: بلسان سؤول، وقلب عقول.
          وإنما سمي طالب العلم: ما تقول، لكثرة ما كانوا يقولون فى الزمان الأول. ما تقول فى هذه المسألة؟.
          وإنما تفقه أبو حنيفة رحمه الله بكثرة المطارحة والمذاكرة فى دكانه حين كان بزازا.
          فبهذا يعلم أن تحصيل العلم والفقه يجتمع مع الكسب.
          وكان أبو حفص الكبير يكتسب ويكرر العلوم، فإن كان لا بد لطالب العلم من الكسب لنفقة العيال وغيره فليكتسب وليكرر وليذاكر ولا يكسل.
          وليس لصحيح العقل والبدن عذر فى ترك التعلم والتفقه، فإنه لا يكون أفقر من أبى يوسف، ولم يمنعه ذلك من التفقه. فمن كان له مال كثير فنعم المال الصالح للرجل الصالح، المنصرف فى طريق العلم.
          قيل لعالم: بم أدركت العلم؟ قال: بأب غني. لأنه كان ينتفع به أهل العلم والفضل، فإنه سبب زيادة العلم لأنه شكر على نعمة العقل والعلم، وإنه سبب الزيادة.
          قيل: قال أبو حنيفة رحمه الله: إنما أدركت العلم بالحمد والشكر، فكلما فهمت ووفقت على فقه وحكمة قلت: الحمد لله، فازداد علمى.
          وهكذا ينبغى لطالب العلم أن يشتغل بالشكر باللسان والجنان والأركان والحال ويرى الفهم والعلم والتوفيق من الله تعالى ويطلب الهداية من الله تعالى بالدعاء له والتضرع إليه، فإن الله تعالى هاد من استهداه.
          فأهل الحق ـ وهم أهل السنة والجماعة ـ طلبوا الحق من الله تعالى، الحق المبين الهادى العاصم، فهداهم الله وعصمهم عن الضلالة.
          وأهل الضلالة أعجبوا برأيهم وعقلهم وطلبوا الحق من المخلوق العاجز وهو العقل، لأن العقل لا يدرك جميع الأشياء كالبصر، فإنه لا يبصر جميع الأشياء فحجبوا وعجزوا عن معرفته، وضلوا وأضلوا.
          قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الغافل من عمل بغفلته والعاقل من عمل بعقله. فالعمل بالعقل أولا: أن يعرف عجزنفسه, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من عرف نفسه فقد عرف ربه, فإذا عرف عجز نفسه عرف قدرة الله عزوجل, ولا يعتمد على نفسه وعقله بل يتوكل على الله, ويطلب الحق منه. ومن يتوكل على الله فهو حسبه ويهد يه إلى صراط مستقيم.
          ومن كان له مال كثير فلا يبخل, وينبغى أن يتعوذ بالله من البخل.
          قال النبى عليه السلام: أي دواء أدوأ من البخل.
          وكان أبو الشيخ الإمام الأجل شمس الأئمة الحلوانى, رحمه الله فقيرا يبيع الحلواء, وكان يعطى الفقهاء من الحلواء ويقول: أدعوا لابنى, فببركة جوده واعتقاده وشفقته وتضرعه إلى الله تعالى نال ابنه ما نال.
          ويشترى بالمال الكتب ويستكتب فيكون عونا على التعلم والتفقه.
          وقد كان لمحمد بن الحسن مال كثير حتى كان له ثلاثمائة من الوكلاء على ماله وأنفقه كله فى العلم والفقه, ولم يبق له ثوب نفيس فرآه أبو يوسف فى ثوب خلق فأرسل إليه ثيابا نفيسة فلم يقبلها فقال: عجل لكم, وأجل لنا, ولعله إنما لم يقبله وإن كان قبول الهدية سنة, لما رأى فى ذلك مذلة لنفسه.
          قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: ليس للمؤمن أن يذل نفسه.
          وحكي أن الشيخ فخر الإسلام الأرسابندى رحمه الله جمع قشور البطيخ الملقاة فى مكان خال فأكلها فرأته جارية فاخبرت بذلك مولاها فاتخذ له دعوة فدعاه إليها فلم يقبل لهذا.
          وهكذا ينبغى لطالب العلم أن يكون ذا همة عالية لا يطمع فى أموال الناس.
          قال النبى صلى الله عليه وسلم: إياك والطمع فإنه فقر حاضر. ولا يبخل بما عنده من المال بل ينفق على نفسه وعلى غيره.
          قال النبى عليه الصلاة والسلام: الناس كلهم فى الفقر مخافة الفقر وكانوا فى الزمان الأول يتعلمون الحرفة ثم يتعلمون العلم حتى لايطمعوا فى أموال الناس.
           وفى الحكمة من استغنى بمال الناس افتقر والعالم إذا كان طماعا لا يبقى له حرمة العلم ولا يقول بالحق ولهذا كان يتعوذ صاحب الشرح عليه السلام ويقول أعوذ بالله من طمع يدنى إلى طبع.
           وينبغى أن لا يرجو الأمن الله تعالى ولا يخاف إلا منه ويظهر ذلك بمجاوزة حد الشرع وعدمها فمن عصى الله تعالى خوفا من المخلوق فقد خاف غير الله تعالى، فإذا لم يعص الله تعالى لخوف المخلوق وراقب حدود الشرع فلم يخف غير الله تعالى بل خاف الله تعالى وكذا فى جانب الرجاء.
          وينبغى لطالب العلم أن يعد ويقدر لنفسه تقديرا فى التكرار فإنه لا يستقر قلبه حتى يبلغ ذلك المبلغ.
          وينبغى لطالب العلم أن يكرر سبق الأمس خمس مرات وسبق اليوم الذى قبل الأمس أربع مرات والسبق الذى قبله ثلاثا والذى قبله اثنين والذى قبله واحدا فهذا أدعى إلى الحفظ.
          وينبغى أن لا يعتاد المخافة فى التكرار لأن الدرس والتكرار ينبغى أن يكون بقوة ونشاط، ولا يجهر جهرا يجهد نفسه كيلا ينقطع عن التكرار، فخير الأمور أوسطها.
          وحكى أن أبا يوسف رحمه الله كان يذاكر الفقه مع الفقهاء بقوة ونشاط، وكان صهره عنده يتعجب فى أمره ويقول: أنا أعلم أنه جائع منذ خمسة أيام، ومع ذلك يناظر بقوة ونشاط.
          وينبغى أن لا يكون لطالب العلم فترة فإنها آفة، وكان أستاذنا شيخ الإسلام برهان الدين رحمه الله يقول: إنما غلبت شركائى بأنى لا تقع لى الفترة فى التحصيل.
          وكان يحكى عن الشيخ الأسبيجابى أنه وقع فى زمان تحصيله وتعلمه فترة اثنتى عشرة سنة بانقلاب الملك، فخرج مع شريكه فى المناظرة [إلى حيث يمكنهما الإستمرار فى طلب العلم وظلا يدرسانه معا] ولم يتركا الجلوس للمناظرة اثنتى عشرة سنة. فصار شريكه شيخ الإسلام للشافعيين وكان هو شافعيا.
          وكان أستاذنا الشيخ القاضى الإمام فخر الإسلام قاضى خان يقول: ينبغى للمتفقه أن يحفظ [كتابا] واحدا من [كتب] الفقه دائما فيتيسر له بعد ذلك حفظ ما سمع من الفقه.

تعليقات

فن الخشب wood art

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

كتاب تعليم المتعلم طريق التعلم 3

كتاب تعليم المتعلم طريق التعلم 3 مؤلفه برهان الإسلام الزرنوجي الفقيه الحنفي . اشتهر كتابه ولم يشتهر هو رحمه الله، والمعلومات عنه قليلة جدا. آثرنا نشر كتابه في بدء هذه المدونة على حلقات استفادة وتبركا قال رحمه الله: فصل فى الجد والمواظبة والهمة           ثم لا بد من الجد والمواظبة والملازمة لطالب العلم، وإليه الإشارة فى القرآن بقوله تعالى: يا يحيى خذ الكتاب بقوة. وقوله تعالى: والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا.           قيل:           بجـد لا بجــد كــل مـجــد         فهل جد بلا جد بمجدى           فكم من عبد يقوم مقام حر        وكم حر يقوم مقام عبد           وقيل: من طلب شيئا وجد وجد، ومن قرع الباب ولج ولج.           وقيل: بقدرما تتعنى تنال ما تتمنى.           وقيل: يحتاج فى التعلم والتفقه إلى جد ثلاثة: المتعلم، والأستاذ، والأب، إن كان فى الأحياء.           أنشدنى الشيخ الإمام الأجل الأستاذ سديد الدين الشيرازى للشافعى رحمهما الله: الجـــد يــدنـى كــل أمـر شـاسـع                               والـجــد يفــتـح كــل باب مــغـلـق وأحق خلق الله تعالى

كتاب تعليم المتعلم طريق التعلم 2

كتاب تعليم المتعلم طريق التعلم 2 مؤلفه برهان الإسلام الزرنوجي الفقيه الحنفي . اشتهر كتابه ولم يشتهر هو رحمه الله، والمعلومات عنه قليلة جدا. آثرنا نشر كتابه في بدء هذه المدونة على حلقات استفادة وتبركا قال رحمه الله: فصل فى اختيار العلم والأستاذ والشريك والثبات           وينبغى لطالب العلم أن يختار من كل علم أحسنه وما يحتاج إليه فى أمر دينه فى الحال، ثم ما يحتاج إليه فى المآل.           ويقدم علم التوحيد والمعرفة ويعرف الله تعالى بالدليل، فإن إيمان المقلد ـ وإن كان صحيحا عندنا ـ لكن يكون آثما بترك الإستدلال.           ويختار العتيق دون المحدثات، قالوا: عليكم بالعتيق وإياكم بالمحدثات، وإياك أن تشتغل بهذا الجدال الذى ظهر بعد انقراض الأكابر من العلماء، فإنه يبعد عن الفقه ويضيع العمر ويورث الوحشة والعداوة، وهو من أشراط الساعة وارتفاع العلم والفقه،كذا ورد فى الحديث.           أما اختيار الأستاذ: فينبغى أن يختار الأعلم والأورع والأسن، كما اختار أبو حنيفة، رحمة الله عليه، حماد بن سليمان، بعد التأمل والتفكير، قال: وجدته شيخا وقورا حليما صبورا فى الأمور.           وقال: ث