التخطي إلى المحتوى الرئيسي

كتاب تعليم المتعلم طريق التعلم 2



كتاب تعليم المتعلم طريق التعلم 2

مؤلفه برهان الإسلام الزرنوجي الفقيه الحنفي . اشتهر كتابه ولم يشتهر هو رحمه الله، والمعلومات عنه قليلة جدا.
آثرنا نشر كتابه في بدء هذه المدونة على حلقات استفادة وتبركا
قال رحمه الله:


فصل
فى اختيار العلم والأستاذ والشريك والثبات

          وينبغى لطالب العلم أن يختار من كل علم أحسنه وما يحتاج إليه فى أمر دينه فى الحال، ثم ما يحتاج إليه فى المآل.
          ويقدم علم التوحيد والمعرفة ويعرف الله تعالى بالدليل، فإن إيمان المقلد ـ وإن كان صحيحا عندنا ـ لكن يكون آثما بترك الإستدلال.
          ويختار العتيق دون المحدثات، قالوا: عليكم بالعتيق وإياكم بالمحدثات، وإياك أن تشتغل بهذا الجدال الذى ظهر بعد انقراض الأكابر من العلماء، فإنه يبعد عن الفقه ويضيع العمر ويورث الوحشة والعداوة، وهو من أشراط الساعة وارتفاع العلم والفقه،كذا ورد فى الحديث.
          أما اختيار الأستاذ: فينبغى أن يختار الأعلم والأورع والأسن، كما اختار أبو حنيفة، رحمة الله عليه، حماد بن سليمان، بعد التأمل والتفكير، قال: وجدته شيخا وقورا حليما صبورا فى الأمور.
          وقال: ثبت عند حماد بن سليمان فنبت
          وقال أبو حنيفة رحمة الله عليه: سمعت حكيما من حكماء سمرقند قال: إن واحدا من طلبة العلم شاورنى فى طلب العلم، وكان قد عزم على الذهاب إلى بخارى لطلب العلم.
          وهكذا ينبغى أن يشاور فى كل أمر، فإن الله تعالى أمر رسوله عليه الصلاة والسلام بالمشاورة فى الأمور ولم يكن أحد أفطن منه، ومع ذلك أمر بالمشاورة، وكان يشاور أصحابه فى جميع الأمور حتى حوائج البيت.
          قال على كرم الله وجهه: ما هلك امرؤ عن مشورة.
          قيل:
          [الناس] رجل [تام] ونصف رجل، ولا شيئ فالرجل: من له رأي صائب ويشاور العقلاء، ونصف رجل: من له رأي صائب لكن لا يشاور، أو يشاور ولكن لا رأي له، ولا شيئ: من لا رأي له ولا يشاور.
          وقال جعفر الصادق لسفيان الثورى: شاور فى أمرك الذين يخشون الله تعالى.
          فطلب العلم من أعلى الأمور وأصعبها، فكانت المشاورة فيه أهم وأوجب.
          قال الحكيم رحمة الله عليه: إذا ذهبت إلى بخارى فلا تعجل فى الإختلاف إلى الأئمة وامكث شهرين حتى تتأمل وتختار أستاذا، فإنك إن ذهبت إلى عالم وبدأت بالسبق عنده فربما لا يعجبك درسه فتتركه فتذهب إلى آخر، فلا يبارك لك فى التعلم.
          فتأمل فى شهرين فى اختيار الأستاذ، وشاور حتى لا تحتاج إلى تركه والاعراض عنه فتثبت عنده حتى يكون تعلمك مباركا وتنتفع بعلمك كثيرا.
          واعلم أن الصبر والثبات أصل كبير فى جميع الأمور ولكنه عزيز، كما قيل:
لكل إلى شأو العلا حركات       ولكن عزيز فى الرجال ثبات
          قيل: ما الشجاعة ؟
          [قيل]: الشجاعة صبر ساعة.
          فينبغى أن يثبت ويصير على أستاذ وعلى كتاب حتى لا يتركه أبتر، وعلى فن حتى لا يشتغل بفن آخر قبل أن يتقن الأول، وعلى بلد حتى لا ينتقل إلى بلد آخر من غير ضرورة، فإن ذلك كله يفرق الأمور ويشغل القلوب ويضيع الأوقات ويؤذى المعلم.
          وينبغى أن يصبر عما تريده نفسه وهواه.
          قال الشاعر:
إن الهوى لهو الهوان بعينه       وصريع كل هوى صريع هوان
          ويصير على المحن والبليات.
          قيل: خزائن المنن، على قناطير المحن.
          ولقد أنشدت، وقيل إنه لعلى بن أبى طالب كرم الله وجهه شعرا:
ألا لـن تنــال الــعـلم إلا بســتة        سأنبيك عن مجموعها ببيان
ذكاء وحرص واصطباروبلغة       وإرشاد أستاذ وطـول زمان
          وأما اختيار الشريك، فينبغى أن يختار المجد والوراع وصاحب الطبع المستقيم المتفهم، ويفر من الكسلان والمعطل والمكثار والمفسد والفتان.
          قال الشاعر:
عن المرء لا تسل وأبصر قرينه         
                              فـإن الـقرين بالمـقارن يقــتـدى
فـإن كـان ذا شر فــجـنبه سرعـة         
                              وإن كان ذا خير فقارنه تهـتدى
         

وأنشدت شعرا آخر:
لا تصحـب الكسلان فى حـالته 
                              كـم صـالــح بفـسـاد آخــر يفسـد
عدوى البليد إلى الجليد سريعة
                              كالجمر يوضع فى الرماد فيخمد
          قال النبى صلى الله عليه وسلم: كل مولود يولد على فطرة الإسلام، إلا أن أبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه. الحديث.
          ويقال فى الحكمة بالفارسية:
باربد بدتـر بود ازمـاربد          بحـق ذات بـاك الله الصـمـد
باربد ازدترا سوى حجيم         بار نـيكــوكــير نابـى نعــيم
          وقيل:
إن كنت تبغى العلم وأهله         أو شـاهدا يخـبـر عن غائب
فاعتبر الأرض بأسـمائها         واعتبر الصاحب بالصاحب







فصل
فى تعظيم العلم وأهله

          اعلم أن طالب العلم لا ينال العلم ولا ينتفع به إلا بتعظيم العلم وأهله، وتعظيم الأستاذ وتوقيره.
          قيل:
          ما وصل من وصل إلا بالحرمة، وما سقط من سقط إلا بترك الحرمة.
          وقيل: الحرمة خير من الطاعة، ألا ترى أن الإنسان لا يكفر بالمعصية، وإنما يكفر باستخفافها، وبترك الحرمة.
          ومن تعظيم العلم تعظيم الأستاذ، قال على رضى الله عنه: أنا عبد من علمنى حرفا واحدا، إن شاء باع، وإن شاء استرق.
          وقد أنشدت فى ذلك:
رأيت أحق الحق حق المعلم      وأوجـبه حفظا على كل مسلم
لقد حق أن يهدى إليه كرامة      لتعليم حرف واحد ألف درهم
          فإن من علمك حرفا واحدا مما تحتاج إليه فى الدين فهو أبوك فى الدين.
          وكان أستاذنا الشيخ الإمام سديد الدين الشيرازى يقول: قال مشايخنا: من أراد أن يكون ابنه عالما ينبغى أن يراعى الغرباء من الفقهاء، ويكرمهم ويطعمهم ويطيعهم شيئا، وإن لم يكن ابنه عالما يكون حفيده عالما.
          ومن توقير المعلم أن لايمشى أمامه، ولا يجلس مكانه، ولا يبتدئ بالكلام عنده إلا بإذنه، ولا يكثر الكلام عنده، ولا يسأل شيئا عند ملالته ويراعى الوقت، ولا يدق الباب بل يصبر حتى يخرج الأستاذ.
          فالحاصل: أنه يطلب رضاه، ويجتنب سخطه، ويمتثل أمره فى غير معصية لله تعالى، فإنه لا طاعة للمخلوق فى معصية الخالق كما قال النبى صلى الله عليه وسلم: إن شر الناس من يذهب دينه لدنيا بمعصية الخالق.
          ومن توقيره: توقير أولاده ومن يتعلق به.
          وكان أستاذنا شيخ الإسلام برهان الدين صاحب الهداية رحمة الله عليه حكى: أن واحدا من أكابر الأئمة بخارى كان يجلس مجلس الدرس، وكان يقوم فى خلال الدرس أحيانا فسألوا عنه, فقال: إن ابن أستاذى يلعب مع الصبيان فى السكة، ويجيئ أحيانا إلى باب المسجد، فإذا رأيته أقوم له تعظيما لأستاذى.
          والقاضى الإمام فخر الدين الأرسابندى كان رئيس الأئمة فى مرو وكان السلطان يحترمه غاية الاحترام وكان يقول: إنما وجدت بهذا المنصب بخدمة الأستاذ فإنى كنت أخدم الأستاذ القاضى الإمام أبا زيد الدبوسى وكنت أخدمه وأطبخ طعامه [ثلاثين سنة] ولا آكل منه شيئا.
          وكان الشيخ الإمام الأجل شمس الأئمة الحلوانى رحمة الله عليه قد خرج من بخارى وسكن فى بعض القرى أياما لحادثة وقعت له وقد زاره تلاميذه غير الشيخ الإمام شمس الأئمة القاضى بكر بن محمد الزرنجرى رحمه الله تعالى، فقال له حين لقيه: لماذا لم تزرنى؟ قال: كنت مشغولا بخدمة الولادة. قال: ترزق العمر، لاترزق رونق الدرس، وكان كذلك، فإنه كان يسكن فى أكثر أوقاته فى القرى ولم ينتظم له الدرس. فمن تأذى منه أستاذه يحرم بركة العلم ولا ينتفع بالعلم إلا قليلا.
[إن الـمـعلم والطـبيب كـلاهـما! لا ينصحـان إذا هـما لم يكــرما]
[فاصبر لدائك إن جفوت طبيبه! واقنع بجهلك إن جفوت معلما]
          حكى أن الخليفة هارون راشيد بعث ابنه إلى الأصمعى ليعلمه العلم والأدب فرآه يوما يتوضأ ويغسل رجله، وابن الخليفة يصب الماء على رجله، فعاتب الأصمعى [فى ذلك] بقوله: إنما بعثت إليك لتعلمه وتؤدبه فلماذا لم تأمره بأن يصب الماء بإحدى يديه، ويغسل بالأخرى رجلك؟
          ومن تعظيم العلم: تعظيم الكتاب، فينبغى لطالب العلم أن لا يأخذ الكتاب إلا بطهارة.
          وحكى عن الشيخ شمس الأئمة الحلوانى رحمه الله تعالى أنه قال: إنما نلت هذا العلم بالتعظيم، فإنى ما أخذت الكاغد إلا بطهارة.
          والشيخ الإمام شمس الأئمة السرخسى كان مبطونا فى ليلة، وكان يكرر، وتوضأ فى تلك الليلة سبع عشرة مرة لأنه كان لا يكرر إلا بالطهارة، وهذا لأن العلم نور والوضوء نور فيزداد نور العلم به.
          ومن التعظيم الواجب للعالم أن لا يمد الرجل إلى الكتاب ويضع كتاب التفسير فوق سائر الكتب [تعظيما] ولا يضع شيئا آخر على الكتاب.
          وكان أستاذنا الشيخ برهان الدين رحمه الله تعالى يحكى عن شيخ من المشايخ: أن فقيها كان وضع المحبرة على الكتاب، فقال له [بالفارسية]: برنيايى.
          وكان أستاذنا القاضى الإمام الأجل فخر الدين المعروف بقاضى خان رحمه الله تعالى يقول: إن يرد بذلك الاستخفاف فلا بأس بذلك والأولى أن يحترز عنه.
          ومن التعظيم: أن يجود كتابة الكتاب ولا يقرمط ويترك الحاشية إى عند الضرورة.
          ورأى أبو حنيفة رحمه الله تعالى كتابا يقرمط فى الكتابة فقال: لا تقرمط خطك، إن عشت تندم وإن مت تشتم. يعنى إذا شخت وضعف نور بصرك ندمت على ذلك.
          وحكى عن الشيخ الإمام مجد الدين الصرخكى، حكى أنه قال: ما قرمطنا ندمنا، وما انتخبنا ندمنا، وما لم نقابل ندمنا.
          وينبغى أن يكون تقطيع الكتاب مربعا، فإنه تقطيع أبى حنيفة رحمه الله تعالى، وهو أيسر على الرفع والوضع والمطالعة.
          وينبغى أن لا يكون فى الكتابة شيئ من الحمرة، فإنه من صنيع الفلاسفة لا صنيع السلف، ومن مشايخنا كرهوا استعمال المركب الأحمر.
          ومن تعظيم العلم: تعظيم الشركاء [فى طلب العلم والدرس] ومن يتعلم منه. والتملق مذموم إلا فى طلب العلم.
          فإنه ينبغى أن يتملق لأستاذه وشركائه ليستفيد منهم.
          وينبغى لطالب العلم أن يستمع العلم والحكمة بالتعظيم والحرمة، وإن سمع مسألة واحدة أو حكمة واحدة ألف مرة.
          وقيل: من لم يكن تعظيمه بعد ألف مرة كتعظيمه فى أول مرة فليس بأهل العلم.
          وينبغى لطالب العلم أن لا يختار نوع العلم بنفسه، بل يفوض أمره إلى الأستاذ، فإن الأستاذ قد حصل له التجارب فى ذلك، فكان أعرف بما ينبغى لكل واحد وما يليق بطبيعته.
          وكان الشيخ الإمام الأجل الأستاذ برهان الحق والدين رحمه الله تعالى يقول:
          كان طلبة العلم فى الزمان الأول يفوضون أمرهم فى التعلم إلى اساتذهم، وكانوا يصلون إلى مقصودهم ومرادهم، والآن يختارون بأنفسهم، فلا يحصل مقصودهم من العلم والفقه.
          وكان يحكى أن محمد بن إسماعيل البخارى رحمه الله تعالى كان بدأ بكتابة الصلاة على محمد بن الحسن رحمه الله، فقال له محمد بن الحسن: إذهب وتعلم علم الحديث، لما روى أن ذلك العلم أليق بطبعه، فطلب علم الحديث فصار فيه مقدما على جميع أئمة الحديث.
          وينبغى لطالب العلم أن لايجلس قريبا من الأستاذ عند السبق بغير ضرورة، بل ينبغى أن يكون بينه وبين الأستاذ قدر القوس فإنه أقرب إلى التعظيم.
          وينبغى لطالب العلم أن يحترز عن الأخلاق الذميمة، فإنها كلاب معنوية، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب أو صورة. وإنما يتعلم الإنسان بواسطة ملك.
          والأخلاق الذميمة تعرف فى كتاب الأخلاق وكتابنا هذا لا يحتمل بيانها.
          [وليحترز] خصوصا عن التكبر ومع التكبر لا يحصل العلم.
          قيل:
          العلم حرب [للفتى] المتعالى     كالسيل حرب للمكان العالى

تعليقات

فن الخشب wood art

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

كتاب تعليم المتعلم طريق التعلم 3

كتاب تعليم المتعلم طريق التعلم 3 مؤلفه برهان الإسلام الزرنوجي الفقيه الحنفي . اشتهر كتابه ولم يشتهر هو رحمه الله، والمعلومات عنه قليلة جدا. آثرنا نشر كتابه في بدء هذه المدونة على حلقات استفادة وتبركا قال رحمه الله: فصل فى الجد والمواظبة والهمة           ثم لا بد من الجد والمواظبة والملازمة لطالب العلم، وإليه الإشارة فى القرآن بقوله تعالى: يا يحيى خذ الكتاب بقوة. وقوله تعالى: والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا.           قيل:           بجـد لا بجــد كــل مـجــد         فهل جد بلا جد بمجدى           فكم من عبد يقوم مقام حر        وكم حر يقوم مقام عبد           وقيل: من طلب شيئا وجد وجد، ومن قرع الباب ولج ولج.           وقيل: بقدرما تتعنى تنال ما تتمنى.           وقيل: يحتاج فى التعلم والتفقه إلى جد ثلاثة: المتعلم، والأستاذ، والأب، إن كان فى الأحياء.           أنشدنى الشيخ الإمام الأجل الأستاذ سديد الدين الشيرازى للشافعى رحمهما الله: الجـــد يــدنـى كــل أمـر شـاسـع                               والـجــد يفــتـح كــل باب مــغـلـق وأحق خلق الله تعالى

كتاب تعليم المتعلم طريق التعلم 4

كتاب تعليم المتعلم طريق التعلم 4 مؤلفه برهان الإسلام الزرنوجي الفقيه الحنفي . اشتهر كتابه ولم يشتهر هو رحمه الله، والمعلومات عنه قليلة جدا. آثرنا نشر كتابه في بدء هذه المدونة على حلقات استفادة وتبركا قال رحمه الله: فصل فى بداية السبق وقدره وترتيبه           كان أستاذنا شيخ الإسلام برهان الدين رحمه الله يوقف بداية السبق على يوم الأربعاء، وكان يروى فى ذلك حديثا ويستدل به ويقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من شيئ بدئ   يوم الأربعاء إلا وقد تم؛ وهكذا كان يفعل أبى.           وكان يروى هذا الحديث عن أستاذه الشيخ الإمام الأجل قوام الدين أحمد بن عبد الرشيد رحمه الله.           وسمعت ممن أثق به، أن الشيخ يوسف الهمذانى رحمه الله، كان يوقف كل عمل من الخير على يوم الأربعاء. وهذا لأن يوم الأربعاء يوم خلق فيه النور، وهو يوم نحس فى حق الكفار فيكون مباركا للمؤمنين.           وأما قدر السبق فى الإبتداء: كان أبو حنيفة رحمه الله يحكى عن الشيخ القاضى الإمام عمر بن أبى بكر الزرنجرى رحمه الله أنه قال: قال مشايخنا رحمهم الله: ينبغى أن يكون قدر السبق للمبتدئ   قدر ما يمكن ضبط