كتاب تعليم المتعلم طريق التعلم 1
مؤلفه برهان الإسلام الزرنوجي الفقيه الحنفي . اشتهر كتابه ولم يشتهر هو رحمه الله، والمعلومات عنه قليلة جدا.آثرنا نشر كتابه في بدء هذه المدونة على حلقات استفادة وتبركا
قال رحمه الله:
مقدمة
الحمد لله
الذى فضل على بنى آدم بالعلم والعمل على جميع العالم، والصلاة والسلام على محمد
سيد العرب والعجم، وعلى آله وأصحابه ينابيع العلوم والحكم.
وبعد...
فلما رأيت
كثيرا من طلاب العلم فى زماننا يجدون إلى العلم ولايصلون [ومن منافعه وثمراته ـ
وهى العمل به والنشر ـ يحرمون] لما أنهم أخطأوا طريقه وتركوا شرائطه، وكل من أخطأ
الطريق ضل، ولاينال المقصود قل أو جل، فأردت وأحببت أن أبين لهم طريق التعلم على
ما رأيت فى الكتب وسمعت من أساتيذى أولى العلم والحكم، رجاء الدعاء لى من الراغبين
فيه، المخلصين، بالفوز والخلاص فى يوم الدين، بعد ما استخرت الله تعالى فيه،
وسميته:
تعليم المتعلم طريق التعلم
وجعلته فصولا:
1.
فصل : فى ماهية العلم، والفقه، وفضله.
2.
فصل : فى النية فى حال التعلم.
3.
فصل : فى اختيار العلم، والأساتذ،
والشريك، والثبات.
4.
فصل : فى تعظيم العلم وأهله.
5.
فصل : فى الجد والمواظبة والهمة.
6.
فصل : فى بداية السبق وقدره وترتيبه.
7.
فصل : فى التوكل.
8.
فصل : فى وقت التحصيل.
9.
فصل : فى الشفقة والنصيحة.
10.
فصل : فى الإستفادة واقتباس الأدب.
11.
فصل : فى الورع.
12.
فصل : فيما يورث الحفظ، وفيما يورث
النسيان.
13.
فصل : فـيمـا يجـلب الـرزق، وفيـما
يمـنع، وما يزيـد فى العـمـر، وما ينقص.
وما توفيقى
إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب.
فصل
فى ماهية العلم، والفقه، وفضله
قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم:
طلب العلم
فريضة على كل مسلم ومسلمة
اعلم, بأنه
لايفترض على كل مسلم، طلب كل علم وإنما يفترض عليه طلب علم الحال كما قال: وأفضل
العلم علم الحال، وأفضل العمل حفظ الحال ويفترض على المسلم طلب ما يقع له فى حاله،
فى أى حال كان، فإنه لابد له من الصلاة فيفترض عليه علم ما يقع له فى صلاته بقدر
ما يؤدى به فرض الصلاة، ويجب عليه بقدر ما يؤدى به الواجب، لأن ما يتوسل به إلى
إقامة الفرض يكون فرضا، وما يتوسل به إلى إقامة الواجب يكون واجبا.
وكذا فى
الصوم، والزكاة، إن كان له مال، والحج إن وجب عليه.
وكذا فى
البيوع إن كان يتجر.
قيل لمحمد بن
الحسن، رحمة الله عليه: لما لاتصنف كتابا فى الزهد؟
قال: قد صنفت
كتابا فى البيوع، يعنى: الزاهد من يحترز عن الشبهات والمكروهات فى التجارات.
وكذلك فى سائر
المعاملات والحرف، وكل من اشتغل بشيئ منها يفترض عليه علم التحرز عن الحرام فيه.
وكذلك يفترض
عليه علم أحوال القلب من التوكل والإنابة والخشية والرضى، فإنه واقع فى جميع
الأحوال.
وشرف العلم
لايخفى على أحد إذ هو المختص بالإنسانية لأن جميع الخصال سوى العلم، يشترك فيها
الإنسان وسائر الحيوانات: كالشجاعة والجراءة والقوة والجود والشفقة وغيرها سوى
العلم.
وبه أظهر الله
تعالى فضل آدم عليه السلام على الملائكة، وأمرهم بالسجود له.
وإنما شرف العلم
بكونه وسيلة الى البر والتقوى، الذى يستحق بها المرء الكرامة عند الله، والسعادة
والأبدية، كما قيل لمحمد بن الحسن رحمة الله عليهما شعرا:
تعـلـم فــإن الـعلـم زيـن لأهــلــه
وفــضـل
وعــنـوان لـكـل مـــحامـد
وكــن مـستـفـيدا كـل يـوم زيـادة
من
العـلم واسـبح فى بحـور الفوائـد
تـفـقـه فإن الـفــقـه أفــضـل قائـد
الى
الــبر والتـقـوى وأعـدل قـاصـد
هو العلم الهادى الى سنن الهدى
هو
الحصن ينجى من جميع الشدائد
فـإن فـقيــهـا واحــدا مــتـورعــا
أشـد
عـلى الشـيطـان من ألـف عابد
(والعلم وسيلة
إلى معرفة: الكبر، والتواضع، والألفة، والعفة، والأسراف، والتقتير، وغيرها)، وكذلك
فى سائر الأخلاق نحو الجود، والبخل، والجبن، والجراءة.
فإن الكبر،
والبخل، والجبن، والإسراف حرام، ولايمكن التحرز عنها إلا بعلمها، وعلم ما يضادها،
فيفترض على كل إنسان علمها.
وقد صنف السيد
الإمام الأجل الأستاذ الشهيد ناصر الدين أبو القاسم كتابا فى الأخلاق ونعم ما صنف،
فيجب على كل مسلم حفظها.
وأما حفظ ما
يقع فى الأحايين ففرض على سبيل الكفاية، إذا قام البعض فى بلدة سقط عن الباقين،
فإن لم يكن فى البلدة من يقوم به اشتركوا جميعا فى المأثم، فيجب على الإمام أن
يأمرهم بذلك، ويجبر أهل البلدة على ذلك.
قيل: إن العلم
ما يقع على نفسه فى جميع الأحوال بمنزلة الطعام لابد لكل واحد من ذلك.
وعلم ما يقع
فى الأحايين بمنزلة الدواء يحتاج إليه (فى بعض الأوقات).
وعلم النجوم
بمنزلة المرض، فتعلمه حرام، لأنه يضر ولاينفع، والهرب عن قضاء الله تعالى وقدره
غير ممكن.
فينبغى لكل
مسلم أن يشتغل فى جميع أوقاته بذكر الله تعالى والدعاء، والتضرع، وقراءة القرآن،
والصدقات [الدافعة للبلاء] [والصلاة] ، ويسأل الله تعالى العفو والعافية فى الدين
والآخرة ليصون الله عنه تعالى البلاء والآفات، فإن من رزق الدعاء لم يحرم الإجابة.
فإن كان
البلاء مقدرا يصيبه لامحالة، ولكن يبر الله عليه ويرزقه الصبر ببركة الدعاء.
اللهم إذا تعلم من النجوم قدرما يعرف به القبلة، وأوقات الصلاة
فيجوز ذلك وأما تعلم علم الطب فيجوز، لأنه سبب من الأسباب فيجوز تعلمه كسائر
الأسباب.
وقد تداوى
النبى عليه السلام، وقد حكى عن الشافعى رحمة الله عليه أنه قال: العلم علمان: علم
الفقه للأديان، وعلم الطب للأبدان، وما وراء ذلك بلغة مجلس.
وأما تفسير
العلم: فهو صفة يتجلى بها المذكور لمن قامت هى به كما هو.
والفقه: معرفة
دقائق العلم مع نوع علاج.
قال أبو حنيفة
رحمة الله عليه: الفقه معرفة النفس ما لها وما عليها.
وقال: ما
العلم إلا للعمل به، والعمل به ترك العاجل الآجل.
فينبغى
للإنسان أن لايغفل عن نفسه، ما ينفعها وما يضرها، فى أولها وآخرها، ويستجلب ما
ينفعها ويجتنب عما يضرها، كى لايكون عقله وعمله حجة فيزداد عقوبة، نعوذ بالله من
سخطه وعقوبه.
وقد ورد فى
مناقب العلم وفضائله، آيات وأخبار صحيحة مشهورة لم نشتغل بذكرها كى لايطول الكتاب.
فصل
فى النية فى حال التعلم
ثم لابد له من
النية فى زمان تعلم العلم، إذ النية هى الأصل فى جميع الأفعال لقوله عليه السلام:
إنما الأعمال بالنيات. حديث صحيح.
[روى] عن رسول
الله صلى الله عليه وسلم: كم من عمل يتصور بصورة عمل الدنيا، ثم يصير بحسن النية
من أعمال الآخرة، وكم من عمل يتصور بصورة عمل الآخرة ثم يصير من أعمال الدنيا بسوء
النية.
وينبغى أن
ينوى المتعلم بطلب العلم رضاء الله والدار الآخرة، وإزالة الجهل عن نفسه، وعن سائر
الجهال، وإحياء الدين وإبقاء الإسلام، فإن بقاء الإسلام بالعلم، ولايصح الزهد
والتقوى مع الجهل.
وأنشدنا الشيخ
الإمام الأجل الأستاذ برهان الدين صاحب الهداية لبعضهم شعرا:
فـساد كـبير عـالم مـتهتـك وأكـبر
منه جاهل متنسك
هما فتنة للعالمين عظيمة لمن
بهما فى دينه يتمسك
وينوى به:
الشكر على نعمة العقل، وصحة البدن, ولا ينوى به إقبال الناس عليه، ولا
استجلاب حطام الدنيا، والكرامة عند السلطان وغيره.
وقال محمد بن
الحسن رحمة الله عليهما: لو كان الناس كلهم عبيدى لأعتقتهم وتبرأت عن ولائهم.
[وذلك لأن] من
وجد لذة العلم والعمل به، قلما يرغب فيما عند الناس.
أنشدنا الشيخ
الإمام الأجل الأستاذ قوام الدين حماد بن إبراهيم بن إسماعيل الصفار الأنصارى
إملاء لأبى حنيفة رحمة الله عليه:
من طلب العلم
للمعاد فاز بفضل من الرشاد
فـيالخسـران
طالـبيـه لـنيل فـضل من
العباد
اللهم إلا
إّذا طلب الجاه للأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، وتنفيذ الحق، وإعزاز الدين لا
لنفسه وهواه، فيجوز ذلك بقدر ما يقيم به الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر.
وينبغى لطالب
العلم: أن يتفكر فى ذلك، فإنه يتعلم العلم بجهد كثير، فلايصرفه إلى الدنيا الحقيرة
القليلة الفانية.
(قال النبى
صلى الله عليه وسلم: اتقوا الدنيا، فوالذى نفس محمد بيده إنها لأسحر من هاروت
وماروت).
شعر:
هى الـدنيا
أقـل مـن الـقـليل وعاشقها أذل من
الذليل
تصم بسحرها
قوما وتعمى فـهم مـتخيرون بلا دليل
وينبغى لأهل
العلم أن لايذل نفسه بالطمع فى غير المطمع ويحترز عما فيه مذلة العلم وأهله.
ويكون
متواضعا، والتواضع بين التكبر والذلة، والعفة كذلك، ويعرف ذلك فى كتاب الأخلاق.
أنشدنى الشيخ
الإمام الأستاذ ركن الدين المعروف بالأديب المختار شعرا لنفسه:
إن الـتواضـع مـن خـصـال المـتقى
وبه
التقى إلى المـعالى يرتقى
ومن العجائب عجب من هو جاهل
فى حالة أهو السعيد أم الشقى
أم كـيـف يخــتم عـمـره أو روحــه
يوم
الـنوى مـتسفل أو مرتقى
والـكـــبـريـاء لـربـنـا صــفـة لــــه
مـخـصـوصة
فتجـنبها واتقى
قال أبو حنيفة
رحمة الله عليه لأصحابه: عظموا عمائمكم ووسعوا أكمامكم.
وإنما قال ذلك
لئلا يستخف بالعلم وأهله.
وينبغى لطالب
العلم أن يحصل كتاب الوصية التى كتبها أبو حنيفة رضى الله عليه ليوسف بن خالد
السمتى عند الرجوع إلى أهله، يجده من يطلب العلم
وقد كان
أستاذنا شيخ الإسلام برهان الدين على بن أبو بكر قدس الله روحه العزيز أمرنى
بكتابته عند الرجوع إلى بلدى فكتبته، ولابد للمدرس والمفتى فى معاملات الناس منه،
وبالله التوفيق.
انتهت الحلقة الأولى من نص الكتاب
تعليقات
إرسال تعليق