كتاب تعليم المتعلم طريق التعلم 5
مؤلفه برهان الإسلام الزرنوجي الفقيه الحنفي . اشتهر كتابه ولم يشتهر هو رحمه الله، والمعلومات عنه قليلة جدا.آثرنا نشر كتابه في بدء هذه المدونة على حلقات استفادة وتبركا
قال رحمه الله:
فصل
فى التوكل
ثم لا بد
لطالب العلم من التوكل فى طالب العلم ولا يهتم لأمر الرزق ولا يشغل قلبه بذلك.
روى أبو حنيفة
رحمه الله عن عبد الله بن الحارث الزبيدى صاحب رسل الله صلى الله عليه و سلم: من
تفقه فى دين الله كفى همه الله تعالى ورزقه من حيث لا يحتسب. فإن من اشتغل قلبه
بأمر الرزق من القوت والكسوة قل ما يتفرغ لتحصيل مكارم الأخلاق ومعالى الأمور.
قيل:
دع
المكـــــارم لا ترحل لبغيتها
واقعد
فإنك انت الطاعم الكاسى
قال رجل
[لابن] منصور الحلاج : أوصنى, فقال [ابن] المنصور : هي نفسك, إن لم تشغلها شغلتك.
فينبغى لكل
أحد أن يشغل نفسه بأعمال الخير حتى لا يشغل نفسه بهواها, ولا يهتم العاقل لأمر
الدنيا لأن الهم والحزن لا يرد المصيبة, ولا ينفع بل يضر بالقلب والعقل, ويخل
بأعمال الخير, ويهتم لأمر الآخرة لأنه ينفع. وأما قوله عليه الصلاة والسلام : إن
من الذنوب ذنوبا لا يكفرها إلا هم المعيشة فالمراد منه قدر هم لا يخل بأعمال الخير
ولا يشغل القلب شغلا يخل بإحضار القلب فى الصلاة, فإن ذالك القدر من الهم والقصد
من أعمال الآخرة.
ولا بد لطالب
العلم من تقليل العلائق الدنيوية بقدر الوسع فلهذا اختاروا الغربة.
ولا بد من
تحمل النصب والمشقة فى سفر التعلم, كما قال موسى صلوات الله على نبينا وعليه فى
سفر التعلم ولم ينقل عنه ذلك فى غيره من الأسافر [ لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا].
ليعلم أن سفر
العلم لا يخلو عن التعب، لأن طلب العلم أمر عظيم وهو أفضل من الغزاة عند أكثر
العلماء، والأجر على قدر التعب والنصب، فمن صبر على ذلك التعب وجد لذة العلم تفوق
[لذات الدنيا].
ولهذا كان
محمد بن الحسن إذا سهر الليالى وانحلت له المشكلات يقول: أين أبناء الملوك من هذه
اللذات؟.
وينبغى [لطالب
العلم] ألا يشتغل بشيئ [أخر غير العلم] ولا يعرض عن الفقه.
قال محمد بن
الحسن رحمه الله: صناعتنا هذه من المهد إلى اللحد فمن أراد أن يترك علمنا هذا ساعة
فليتركه الساعة.
ودخل فقيه،
وهو إبراهيم بن الجراح، على أبى يوسف يعوده فى مرض موته وهو يجود بنفسه، فقال أبو
يوسف: رمي الجمار راكبا أفضل أم راجلا؟ فلم يعرف الجواب، فأجاب بنفسه.
وهكذا ينبغى
للفقيه أن يشتغل به فى جميع أوقاته [فحينئذ] يجد لذة عظيمة فى ذلك.
وقيل: رؤي
محمد [بن الحسن] فى المنام بعد وفاته فقيل له: كيف كنت فى حال النزع؟ فقال: كنت
متأملا فى مسألة من مسائل المكاتب، فلم أشعر بخروج روحى .
وقيل إنه قال
فى آخر عمره: شغلتنى مسائل المكاتب عن الإستعداد لهذا اليوم، وإنما قال ذلك
تواضعا.
فصل
فى وقت التحصيل
قيل: وقت
التعلم من المهد إلى اللحد.
دخل حسن بن
زياد فى التفقه وهو ابن ثمانين سنة، ولم يبت على الفراش أربعين سنة فأفتى بعد ذلك
أربعين سنة.
وأفضل الأوقات
شرخ الشباب، ووقت السحر، وما بين العشائين. وينبغى أن يستغرق جميع أوقاته، فإذا مل
من علم يشتغل بعلم آخر.
وكان ابن عباس
رضى الله عنه إذا مل من الكلام يقول: هاتوا ديوان الشعراء.
وكان محمد بن
الحسن لا ينام الليل، وكان يضع عنده الدفاتر، وكان إذا مل من نوع ينظر فى نوع آخر،
(وكان يضع عنده الماء، ويزيل نومه بالماء، وكان يقول: إن النوم من الحرارة).
فصل
فى الشفقة والنصيحة
ينبغى أن يكون
صاحب العلم مشفقا ناصحا غير حاسد، فالحسد يضر ولا ينفع. وكان أستاذنا شيخ الإسلام
برهان الدين رحمه الله يقول: قالوا إن ابن المعلم يكون عالما لأن المعلم يريد أن
يكون تلميذه فى القرآن عالما فببركة اعتقاده وشفقته يكون ابنه عالما.
وكان أبو
الحسن يحكى أن الصدر الأجل برهان الأئمة جعل وقت السبق لابنيه الصدر الشهيد حسام
الدين [ والصدر] السعيد تاج الدين وقت الضحوة الكبرى بعد جميع الاسباق، وكانا
يقولان: إن طبيعتنا تكل وتمل فى ذلك الوقت، فقال أبوهما رحمه الله: إن الغرباء
وأولاد الكبراء يأتوننى من أقطار الأرض فلا بد من أن أقدم أسباقهم. فببركة شفقته
فاق ابناه أكثر فقهاء الأمصار، وأهل الأرض فى ذلك العصر.
وينبغى أن لا
ينازع أحدا ولا يخاصمه لأنه يضيع أوقاته.
قيل: المحسن
سيجزى بإحسانه والمسيئ ستكفيه مساويه.
أنشدنى الشيخ
الإمام الزاهد العارف ركن الإسلام محمد بن أبى بكر المعروف بإمام خواهر زاده مفتى
الفريقين رحمه الله قال: أنشدنى سلطان الشريعة والطريقة يوسف الهمذانى:
لا تجز
[إنسانا] على سوء فعله
سيكفيه
مــا فيه وما هو فاعله
قيل: من أراد
أن يرغم أنف عدوه فليكرر وأنشدت هذا الشعر:
إذا شئت أن
تلقى عدوك راغمـا
وتقتله
غما وتحرقــــــــــه هما
فرم للعلى
وازدد من العلم إنه
من
ازداد علما زاد حاسده غما
قيل: عليك أن
تشتغل بمصالح نفسك لا بقهر عدوك، فإذا أقمت مصالح نفسك تضمن ذلك قهر عدوك. إياك
والمعاداة فإنها تفضحك وتضيع أوقاتك، وعليك بالتحمل [لا] سيما من السفهاء.
قال عيسى بن
مريم صلوات الله عليه: احتملوا من السفيه واحدة كى تربحوا عشرا.
وأنشدت لبعضهم
شعرا:
بلوت الناس قرنا بعـــــد قرن ولــــــم
أر غير ختال وقالى
ولم أر فى الخطوب أشد وقعا وأصعب
من معاداة الرجال
وذقت مرارة الأشياء طـــــرا وما
ذقت أمر مــــن السؤال
وإياك أن تظن
بالمؤمن سوءا فإنه منشأ العداوة ولا يحل ذلك، لقوله عليه الصلاة والسلام: ظنوا
بالمؤمنين خيرا. وإنما ينشأ ذلك من خبث النية وسوء السريرة، كما قال أبو الطيب:
إذا ساء فعل
المرء ساءت ظنونه
وصدق
ما يعتاده مــــــن توهم
وعادى محبيه
بقول عداتــــــــــه
وأصبح
فى ليل من الشك مظلم
وأنشدت
لبعضهم:
تنح عن القبيح
ولا تـــرده ومن أوليته حسنا فزده
ستكفى من عدوك
كل كيد إذا كــاد العدو فلا تكده
وأنشدت للشيخ
العميد أبى الفتح البستى:
ذو العقل لا
يسلم مـــــــن جاهل
يسومـــــــــــــه
ظلما وإعناتا
فليختر السلم
على حربـــــــــــه
ولـــــــيلزم
الإنصات إنصاتا
فصل
فى الإستفادة واقتباس الأدب
وينبغى أن
يكون طالب العلم مستفيدا فى كل وقت حتى يحصل له الفضل والكمال فى العلم. وطريق
الإستفادة أن يكون معه فى كل وقت محبرة حتى يكتب ما يسمع من الفوائدالعلمية.
قيل: من حفظ
فر ومن كتب قر.
وقيل: العلم
ما يؤخذ من أفواه الرجال، لأنهم يحفظون أحسن ما يسمعون، ويقولون أحسن ما يحفظون.
وسمعت عن شيخ
الإمام الأديب الأستاذ زين الإسلام المعروف بالأديب المختار يقول: قال هلال [بن
زيد] بن يسار: رأيت النبى صلى الله عليه وسلم يقول لأصحابه شيئا من العلم والحكمة،
فقلت يا رسول الله أعد لى ما قلت لهم، فقال لى: هل معك محبرة؟ فقلت: ما معى محبرة،
فقال النبى عليه السلام: ياهلال لا تفارق المحبرة لأن الخير فيها وفى أهلها إلى
يوم القيامة.
ووصى الصدر
الشهيد حسام الدين إبنه شمس الدين أن يحفظ كل يوم شيئا من العلم والحكمة فإنه يسير، وعن قريب يكون كثيرا.
واشترى عصام
بن يوسف قلما بدينار ليكتب ما يسمعه فى الحال، فالعمر قصير والعلم كثير.
فينبغى أن لا
يضيع طالب العلم الأوقات والساعات ويغتنم الليالى والخلوات.
يحكى عن يحيى
بن معاذ الرازى [أنه قال] الليل طويل فلا تقصره بمنامك، والنهار مضيئ فلا تكدره
بآثامك.
وينبغى أن
يغتنم الشيوخ ويستفيد منهم، وليس كل ما فات يدرك، كما قال أستاذنا شيخ الإسلام فى
مشيخته: كم من شيخ كبير أدركته وما استخبرته.
وأقول على هذا
الفوت منشئا هذا البيت:
لهفا على فوت التلاقى لهفا ما
كل ما فات ويفنى يلفى
قال على رضى
الله عنه: إذا كنت فى أمر فكن فيه، وكفى بالإعراض عن علم الله خزيا وخسارا واستعذ
بالله منه ليلا ونهارا.
ولا بد لطالب
العلم من تحمل المشقة والمذلة فى طلب العلم، والتملق مذموم إلا فى طلب العلم فإنه
لا بد له من التملق للأستاذ والشريك وغيرهم للإستفادة منهم.
قيل: العلم عز
لا ذل فيه، لا يدرك إلا بذل لا عز فيه.
وقال القائل:
أرى لك نفسا
تشتهى أن تعزها
فلست
تنال العز حــتى تذلها
فصل
فى الورع فى حالة التعلم
روى بعضهم
حديثا فى هذا الباب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: من لم يتورع فى
تعلمه ابتلاه الله تعالى بأحد ثلاثة أشياء: إما أن يميته فى شبابه، أو يوقعه فى
الرساتيق، أو يبتليه بخدمة السلطان؛ فكلما كان طالب العلم أورع كان علمه أنفع،
والتعلم له أيسر وفوائده أكثر.
ومن الورع
[الكامل] أن يتحرز عن الشبع وكثرة النوم وكثرة الكلام فيما لا ينفع، وأن يتحرز عن
أكل طعام السوق إن أمكن، لأن طعام السوق أقرب إلى النجاسة والخباثة، وأبعد عن ذكر
الله وأقرب إلى الغفلة، ولأن أبصار الفقراء تقع عليه ولا يقدرون على الشراء منه،
فيتأذون بذلك فتذهب بركته.
وحكي أن
الإمام الشيخ الجليل محمد بن الفضل كان فى حال تعلمه لايأكل من طعام السوق، وكان
أبوه يسكن فى الرساتيق ويهيئ طعامه ويدخل أليه يوم الجمعة، فرأى فى بيت ابنه خبز
السوق يوما فلم يكلمه ساخطا على ابنه فاعتذر ابنه، فقال: ما اشتريت أنا ولم أرض به
ولكن أحضره شريكى، فقال أبوه: لو كنت تحتاط وتتورع عن مثله لم يجرؤ شريكك على ذلك.
وهكذا كانوا
يتورعون فلذلك وفقوا للعلم والنشر حتى بقى اسمهم إلى يوم القيامة.
ووصى فقيه من
زهاد الفقهاء طالب العلم أن يتحرز عن الغيبة وعن مجالسة المكثار، وقال: من يكثر
الكلام يسرق عمرك ويضيع أوقاتك.
ومن الورع أن
يجتنب من أهل الفساد والمعاصى والتعطيل، [ويجاور الصلحاء] فإن المجاورة مؤثرة، وأن
يجلس مستقبل القبلة ويكون مستنا بسنة النبى عليه الصلاة والسلام، ويغتنم دعوة أهل
الخير، ويتحرز عن دعوة المظلومين.
وحكي أن رجلين خرجا فى طلب العلم للغربة وكانا شريكين
فرجعا بعد سنين إلى بلدهما وقد فقه أحدهما ولم يفقه الآخر، فتأمل فقهاء البلاد
وسئلوا عن حالهما وتكرارهما وجلوسهما فأخبروا أن جلوس الذى تفقه فى حال التكرار
كان مستقبل القبلة والمصر الذى [حصل العلم فيه] والآخر كان مستدبرا القبلة ووجهه
إلى غير المصر. فاتفق العلماء والفقهاء أن الفقيه فقه ببركة استقبال القبلة إذ هو
السنة فى الجلوس إلا عند الضرورة، وببركة دعاء المسلمين فإن المصر لا يخلو من
العباد وأهل الخير والزهد، فالظاهر أن عابدا دعا له فى الليل.
فينبغى لطالب
العلم أن لؤا يتهاون بالآداب والسنن، ومن تهاون بالأدب حرم السنن، ومن تهاون
بالسنن حرم الفرائض، ومن تهاون بالفرائض حرم الآخرة. وبعضهم قالوا بهذا حديثا عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وينبغى أن
يكثر الصلاة، ويصلى صلاة الخاشعين، فإن ذلك عون له على التحصيل والتعلم.
وأنشدت للشيخ
الإمام الجليل الزاهد الحجاج نجم الدين عمر بن محمد النسفى شعرا:
كـــــــــــن للأوامر والنواهى حافظا
وعلى
الصلاة مواظبا ومحافظا
واطلب علوم الشرع واجهد واستعن
بالطيبات
تصر فقيها حافــــــظا
واسئل إلهك حفـــــــظ حفظك راغبا
مــــــــن
فضله فالله خير حافظا
كــــــــــن للأوامر والنواهى حافـظا
وعلى
الصلاة مواظبا ومحافظا
واطلب علوم الشرع واجهد واستعن
بالطيبات
تصر فقيها حافــــــظا
واسئل إلهك حفـــــــظ حفظك راغبا
مــــــــن
فضله فالله خير حافظا
وقال رحمة
الله عليه:
أطيعوا وجدوا ولا تكسلوا وأنتم
إلــى ربكم ترجعون
ولا تهجعوا فخيار الورى قليلا
من الليل ما يهجعون
وينبغى أن
يستصحب دفترا على كل حال ليطالعه. وقيل: من لم يكن الدفتر فى كمه لم تثبت الحكمة
فى قلبه.
وينبغى أن
يكون فى الدفتر بياض ويستصحب المحبرة ليكتب ما يسمع من العلماء. وقد ذكرنا حديث
هلال بن يسار.
تعليقات
إرسال تعليق