جهاد العلماء Scientists toil
قصة عشق أغرب من الخيال ... عاشق للعلم يسجن نفسه ليتفرغ لعلم الهندسة ... قصة من تاريخ أجدادي ... قصة المهندس سند بن علي صاحب الخليفة العباسي المأمون . قال:
كان والدي يتكسب بصناعة أحكام النجوم مع قوم من أسباب السلطان يودونه ويحبونه، وتعلق قلبي بعد فراغي من قراءة كتاب " اقليدس "، بكتاب " المجسطي "،[ كتب في الهندسة القديمة والفلك]
كان والدي يتكسب بصناعة أحكام النجوم مع قوم من أسباب السلطان يودونه ويحبونه، وتعلق قلبي بعد فراغي من قراءة كتاب " اقليدس "، بكتاب " المجسطي "،[ كتب في الهندسة القديمة والفلك]
وكان في أيام المأمون بسوق الوراقين رجل يعرف بمعروف، يورق
هذا الكتاب – أي يهيئ ورقه ويكتبه فيه – ويبيعه بعد كامل خطه واشكاله وتجليده
بعشرين دينار، فسألت والدي ابتياعه لي، فقال: أنظرني يا بني الى أن يتهيأ لي شيء
آخذه إما من رزق، وإما من فضل، وأبتاعه لك.
وكان لي أخ لا يشتهي مما تقدمت أنا فيه من العلم شيئا، إلا أنه كان يخدم أبي في حوائجه والإشفاق عليه.
فلما سوفني أبي بالكتاب، وطالت المدة فيه، ركبت معه لأمسك دابته في دخوله الى من يدخل اليه، ولي إذ ذاك سبع عشرة سنة، فخرج إلي غلمان من كان عنده فقالوا: انصرف، فقد أقام أبوك عند مولانا، فمضيت بالدابة فبعتها بسرجها ولجامها بأقل من ثلاثين دينارا.
ومضيت الى معروف فاشتريت الكتاب بعشرين دينارا، وكان لي بيت أخلو فيه، وجئت الى أمي فقلت لها: قد جنيت عليكم جناية، واقتصصت القصة عليها، وحلفت لها إن شحذت أبي علي حتى يمنعني من النظر في الكتاب، لأخرجن عنهم الى أبعد غاية، ورددت عليها فضل ثمن الدابة، وقلت لها: أنا أغلق باب هذا المنزل الذي لي، وأرضى منكم برغيف يلقى إلي كما يلقى الى المحبوس، الى أن أقرأه جميعا، فتضمنت لي بتسكين فورته.
ودخلت البيت وأغلقته من عندي، فمضى أخي الى والدي في الموضع الذي كان فيه فأسر اليه الخبر، فتغير وجهه، وتلجلج في حديثه، فقال له من كان عنده: قد شغلت قلبي وقلب من حضر بما ظهر منك، فبحقي عليك إلا أخبرتنا بماذا؟ فحدثه أبي، فقال الرجل: هذا والله يسرنا في ولدك، فاتعد فيه بكل جميل، ثم استحضر من إسطبله بغلا أفره من بغل أبي، وسرجا خيرا من سرجه، وقال لأبي: اركب هذا البغل ولا تكلم ابنك بحرف.
قال سند: أقمت ثلاث سنين كيوم واحد، لا يرى لي أبي صورة وجه، وأنا مجد حتى استكملت كتاب المجسطي، ثم خرجت وقد عملت اشكالا مستصعبات، ووضعتها في كمي، وسألت: هل للمهندسين والحساب موضع يجتمعون فيه؟ فقيل لي: لهم مجلس في دار العباس بن سعيد الجوهري ترب المأمون، يجتمع فيه وجوه العلماء بالهيئة والهندسة، فحضرته فرأيت جميع من حضر مشايخ ولم يكن فيهم حدث غيري، لأني كنت في العشرين.
فقال العباس: من تكون وفيم نظرت؟ فقلت: غلام يحب صناعة الهندسة والهيئة، قال: ما قرأت؟ قلت: " اقليدس " " والمجسطي " . قال: قراءة احاطة؟ قلت: نعم، فسألني عن شيء مستصعب في كتاب " المجسطي " كان تفسيره في الاوراق التي كانت في كمي فأجبته، فعجب وقال: من أفادك هذا الجواب؟ قلت: استخرجته قريحتي وما سمعته من غيري، وهو وغيره فيما مر بي في ورق معي، قال: هاته، فلما رآه اغتاظ واضطرب، ثم قال لبعض من بين يديه من غلمانه: " السفط "، فجئ به، فنظر الى خاتمه فوجده بحاله، ثم فضه واخرج منه كراسة، فجعل يقابل بها الورق الذي كان معي، فكان الكلام فيما معه أحسن رصفا من الكلام الذي معي، والمعنى واحد.
فقال: هذا شيء توليت تبيينه من كتاب " المجسطي "، فلما أحضرتنيه توهمت أنه سرق مني، حتى تبينت اختلاف اللفظين مع اتفاق المعنى. ثم أمر أن يقطع لي أقبية [جمع قباء وهي ثياب مفتوحة من الأمام ]، ويرتاد لي منطقة [حزام] مذهبة، ففرغ من جميع ذلك في تلك الليلة، وأدخل بي الى المأمون، وأمرني بملازمته، وأجرى لي أنزالا ورزقا .
وكان لي أخ لا يشتهي مما تقدمت أنا فيه من العلم شيئا، إلا أنه كان يخدم أبي في حوائجه والإشفاق عليه.
فلما سوفني أبي بالكتاب، وطالت المدة فيه، ركبت معه لأمسك دابته في دخوله الى من يدخل اليه، ولي إذ ذاك سبع عشرة سنة، فخرج إلي غلمان من كان عنده فقالوا: انصرف، فقد أقام أبوك عند مولانا، فمضيت بالدابة فبعتها بسرجها ولجامها بأقل من ثلاثين دينارا.
ومضيت الى معروف فاشتريت الكتاب بعشرين دينارا، وكان لي بيت أخلو فيه، وجئت الى أمي فقلت لها: قد جنيت عليكم جناية، واقتصصت القصة عليها، وحلفت لها إن شحذت أبي علي حتى يمنعني من النظر في الكتاب، لأخرجن عنهم الى أبعد غاية، ورددت عليها فضل ثمن الدابة، وقلت لها: أنا أغلق باب هذا المنزل الذي لي، وأرضى منكم برغيف يلقى إلي كما يلقى الى المحبوس، الى أن أقرأه جميعا، فتضمنت لي بتسكين فورته.
ودخلت البيت وأغلقته من عندي، فمضى أخي الى والدي في الموضع الذي كان فيه فأسر اليه الخبر، فتغير وجهه، وتلجلج في حديثه، فقال له من كان عنده: قد شغلت قلبي وقلب من حضر بما ظهر منك، فبحقي عليك إلا أخبرتنا بماذا؟ فحدثه أبي، فقال الرجل: هذا والله يسرنا في ولدك، فاتعد فيه بكل جميل، ثم استحضر من إسطبله بغلا أفره من بغل أبي، وسرجا خيرا من سرجه، وقال لأبي: اركب هذا البغل ولا تكلم ابنك بحرف.
قال سند: أقمت ثلاث سنين كيوم واحد، لا يرى لي أبي صورة وجه، وأنا مجد حتى استكملت كتاب المجسطي، ثم خرجت وقد عملت اشكالا مستصعبات، ووضعتها في كمي، وسألت: هل للمهندسين والحساب موضع يجتمعون فيه؟ فقيل لي: لهم مجلس في دار العباس بن سعيد الجوهري ترب المأمون، يجتمع فيه وجوه العلماء بالهيئة والهندسة، فحضرته فرأيت جميع من حضر مشايخ ولم يكن فيهم حدث غيري، لأني كنت في العشرين.
فقال العباس: من تكون وفيم نظرت؟ فقلت: غلام يحب صناعة الهندسة والهيئة، قال: ما قرأت؟ قلت: " اقليدس " " والمجسطي " . قال: قراءة احاطة؟ قلت: نعم، فسألني عن شيء مستصعب في كتاب " المجسطي " كان تفسيره في الاوراق التي كانت في كمي فأجبته، فعجب وقال: من أفادك هذا الجواب؟ قلت: استخرجته قريحتي وما سمعته من غيري، وهو وغيره فيما مر بي في ورق معي، قال: هاته، فلما رآه اغتاظ واضطرب، ثم قال لبعض من بين يديه من غلمانه: " السفط "، فجئ به، فنظر الى خاتمه فوجده بحاله، ثم فضه واخرج منه كراسة، فجعل يقابل بها الورق الذي كان معي، فكان الكلام فيما معه أحسن رصفا من الكلام الذي معي، والمعنى واحد.
فقال: هذا شيء توليت تبيينه من كتاب " المجسطي "، فلما أحضرتنيه توهمت أنه سرق مني، حتى تبينت اختلاف اللفظين مع اتفاق المعنى. ثم أمر أن يقطع لي أقبية [جمع قباء وهي ثياب مفتوحة من الأمام ]، ويرتاد لي منطقة [حزام] مذهبة، ففرغ من جميع ذلك في تلك الليلة، وأدخل بي الى المأمون، وأمرني بملازمته، وأجرى لي أنزالا ورزقا .
انتهت قصة عاشق للعلم تعلم في سجن اختاره لنفسه لا في جامعة ولا مدرسة
يسوقه حب العلم وعلو الهمة وطموح الكبار
***
***
***
***
***
***
تعليقات
إرسال تعليق